News

جـــــزائــــــــــــــر أرض المعجـــــــــــــزات



22‏/08‏/2009








لماذا يعزف شبابنا عن العمل في المجال السياسي؟
غياب التوجـيه... الفـراغ السياسي وجمود العمـل الحزبي وراء الظاهـرة

فاطمة الزهراء طوبال

Toubal.zohra@yahoo.fr
ظل النظام السياسي بالجزائر يواجه على امتداد سنوات متاعب بالجملة، ومصاعب اقتصادية واجتماعية وسياسية في علاقته مع الشباب، ويعود السبب في ذلك إلى انعدام جسور التواصل بين الجانبين، باعتبار أن السياسيين لا يمنحون الثقة للشباب، ويستنجدون بهم ظرفيا كواجهة مناسباتية فحسب. فقد سعت بعض الجهات، جاهدة وبكل الوسائل إلى إفراغ الوضع السياسي من مختلف التوجهات السياسية المعارضة لها، وبالتالي فإن عزوف الشباب الجزائري عن الفعل السياسي يبدو طبيعيا لأنه نتيجة منتظرة لتوجه عام ساد على امتداد سنوات كان فيها الصراع السياسي مطبوعا بالتحكم في السلطة دون إمكانية تداولها بأي وجه من الأوجه. وبذلك يحمل البعض المسؤولية للدولة في هذا الصدد، لاسيما وأنه في السابق كان هناك تكريس واضح لعزل الشباب والحيلولة دون مشاركته في الساحة السياسية، وقد زاد الطين بلة عجز الأحزاب السياسية، وقصورها وعدم تمكنها من جذب الشباب إليها، ما أحبط أي مساهمة للشباب الجزائري في الحقل السياسي.
ومن هنا نطرح السؤال، إذ كيف نفهم ظاهرة عزوف شبابنا عن العمل السياسي في الوقت الذي كان فيه الإقبال على الأمر ضخما ومتحمسا وكانت الجامعات الجزائرية في سنوات السبعينيات فضاءات للتلاقي وتنافس وتشابك مختلف التيارات السياسية؟ أما الآن فهناك الكثير من التساؤلات عن المقاطعة أو القطيعة مع العمل السياسي بين فئات الشباب . أيهم ظل عازفا عن الآخر هل أحزاب السياسة أم الشباب؟ لماذا يختص بعض الشباب في السياسة و لا يحترفون العمل السياسي؟
جمود الأحزاب و تراجعها ينفر الشباب عن العمل السياسي
توجهنا بتساؤلاتنا هذه نحو الفئات الشابة و المثقفة علنا نجد أجوبة شافية عن الموضوع، وبعد دردشة مع طلبة معهد العلوم السياسية والذين تجاذبت نقاشاتهم بين القائلين بأن نفور الشباب عن العمل السياسي أصبح واقعا معاشا، بفعل عوامل مرتبطة بما أصبح شائعا حاليا باحتكار الزعامات الحزبية للعمل السياسي وعدم تجديد النخب، وعقم العمل الحزبي مما جعل مجال استقطاب الشباب عصيا على الأحزاب، التي أصبحت منعزلة ولا تكاد تستقطب سوى أعداد قليلة من المنخرطين الجدد. كما أن هناك عوامل أخرى جعلتهم، ين
صرفون عن العمل الحزبي و الجمعوي الانصراف والاهتمام أكثر بالعمل التجاري. وهناك من يرى بأن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية في المجتمع يعود عامله إلى التفكير بالهجرة و الانبهار بالجنة الساحرة التي يراها خارج الأوطان عبر الفضائيات المختلفة فواكبتها زيادة إقبال محاولة الشباب على السفر إلى الخارج، خصوصا الدول الأوروبية، بهدف تحقيق الثراء السريع من جانب ومن جانب آخر، أنهم تأثروا بالأفلام الأجنبية، والقصص التي رواها لهم نفر قليل ممن سافر للخارج، وعاد غانما، بعدما استقر هناك منذ سنوات وتزوج من أوروبيات. كما فهمنا بأن عزوف الشباب عن المشاركة السياسية يعود إلى جمود الأحزاب السياسية نفسها وتراجع دورها في الساحة السياسية وفي حياة المجتمع .
استبيـــان للــرأي
(م. م،30 سنة، طالب في معهد العلوم السياسية) يقول إن العديد من الشباب أصبحوا يعتقدون بلا جدوى الانخراط في الأحزاب، طالما أن الديمقراطية الداخلية للأحزاب لم تترسخ بعد، وطالما أن الجو العام السائد داخل الأحزاب لا يوفر أي هامش للعمل السياسي البناء والمثمر المبني على تفجير الطاقات والاستفادة من المواهب التي يزخر بها الشباب، كما أن التوجه إلى اختيار العمل الفني أو الممارسة التجارية لا يعني انصراف الشباب عن الشأن العام، على اعتبار أن العمل المكسب للمال يعود عامله إلى الأوضاع الاجتماعية المتردية التي آلت إليها مجتمعاتنا مؤخرا، من بطالة و فقر جعلته يهرع إلى المساهمة في محاربة الظواهر الاجتماعية السلبية، فضلا عن أن العمل السياسي يمكن الشباب من تأكيد ذواتهم بالعمل في ما يدر المصلحة الوطنية للمجتمع الجزائري.
الشعارات السياسية تقلق شبابنا
و الملفت للانتباه أن عددا متزايدا من الشباب في الجزائر أصبحوا، في الوقت الراهن، يتوجهون نحو العمل التجاري أو الفني، وينبع تفضيل لهذين الاتجاهين، مما يُتيحاه له من فرص للتعبير عن الذات والكشف عن الطموحات وإبراز الطاقات الكامنة فيهم. فالشعارات السياسية صارت تقلق شبابنا، في الوقت الذي يحرصون فيه على الرغبة في فرض النفس وتفجير طاقاتهم وإبراز مواهبهم وتحقيق الذات، والرغبة في طرح الإشكالات بحرية ودون قيود .
وفي هذا السياق، يؤكد (ع. ع موظف) أن عزوف الشباب عن الممارسة السياسية سببها فقدان الثقة في الأحزاب السياسية مما جعل نسبة كبيرة منهم لا تمارس السياسة. وذكر أيضا عوامل اجتماعية حادت دون تطلعه للأمر مثل شيوع الانتهازية و البيروقراطية و الاستغلال، كما أنهم أصبحوا يحسون أنه لم تعد لهم مكانة في الساحة السياسية نظرا لاحتكار الزعامات لقيادة الأحزاب، فلا يجدون أنفسهم أنهم سيداومون على هذا العمل في المستقبل مما أدى إلى عدم الاهتمام بالعمل السياسي عموما. وهذا لا يعني أن الشباب غير مُسيسين، بل بالعكس، لكن يمكن القول أن الشباب لم يعودوا يحسوا أن لهم مكانة في هذا المجال. ثم إن التطلع إلى الممارسة السياسية تبقى مرتبطة بنزعتين إما لغرض الواجب نحو حماية المصلحة الوطنية دون مقابل وإما لتحقيق منفعة ذاتية والتطلع إلى النفوذ والكسب السريع.
يقول بن سليمان عبد القادر(34 سنة، مواطن) إنّ موضوع الشباب يطرح مسألة الآفاق والمكانة التي يفتحها المجتمع للأجيال الشابة. فعندما يشعر الشاب أنه يعيش في مجتمع يحسن الإنصات إليه ويمنحه الاهتمام المستحق والرعاية اللازمة، فإنه ينخرط بحماس في العمل السياسي أو الجمعوي، فأهم موارد المجتمع البشرية هي الموارد الشابة، التي ينبغي الاعتناء بها، فالشباب يتميزون بطاقة هائلة يسعون إلى تفجيرها والتعبير عنها، وعندما لا يجدون متنفسا لهم، فإن ذلك يدفعهم إلى الانصراف و العزوف عن العمل السياسي.
تقزيم القضايا و سقوط الأفكار أنفرت شبابنا عن العمل السياسي
عباسة الجيلالي(أكاديمي)
في البداية يوضح الأستاذ عباسة الجيلالي أن ظاهرة العزوف هذه، أضحت عالمية وليست حكرا على الشباب العربي وإن كانت تبدو متضاعفة وتحتكم إلى أسباب تختلف في معظمها عن أسباب انخفاض الإقبال على العمل السياسي في البلدان الأوربية والعالم الغربي بشكل عام، وتتمثل الأسباب المشتركة والعامة حسب المتحدث في سقوط الأفكار الكبرى وتلاشي سطوة الايدولوجيات، التي كانت تؤطر عقول الشباب، وبالتالي تشكل لهم خياراتهم والقضايا ذات الأولوية في الدفاع عنها منها:
أولا كما يقول عباسة: عزوف الشباب عن المواقف السياسية يشكل ظاهرة، لكنها ليست بظاهرة محلية بل هي ظاهرة عالمية، ففي كل العالم هناك عزوف عن العمل السياسي. و يضيف الأستاذ متسائلا لماذا نمارس السياسة. يجيب في ذات الوقت لأمرين اثنين، إما لدافع و إما لحافز، وإما لقضية معينة، إما قضية وطنية، أو قضية قومية، إما لقضية سياسية نمارس السياسة من أجلها، أولحافز أو طموح لتحقيق مزايا أو خصائص في العالم كالقوة و السلطة و النفوذ.
في السبعينيات يستطرد المتحدث قائلا: كانت الجامعة الجزائرية فضاء للتكوين السياسي نجد فيها من شيوعيين وإخوة مسلمين و كنا نسأل عن قضية فلسطين وغيرها من القصايا العربية واليوم نلاحظ سقوط الأفكار الكبرى وتراجع الإيديولوجيات الكبرى، ولا أحد يهتم بقضية فلسطين. لماذا؟
لأن على الجانب الآخر أصبحنا نسمع من الإعلام الغربي والإعلام الإسرائيلي، كنا نتسمى بالقضايا القومية والقضايا العربية التي أصبح تناولها بمنظور "القضية القطرية" أي (تقزيم القضايا) فلا يعد يهمنا ما يجري في المغرب ولا يهمنا ما يجري في تونس وما يجري في مصر، بل أصبح كل ما يهمنا ما يجري في الجزائر فقط، ثم حدث ما يسمى بالإعلام "عولمة الإعلام" والمشاكل التي يعيشها الشباب، فهناك شباب همه الوحيد قضايا مثل الزواج، وشباب آخر همه الحصول على السكن أو تلك الاحتياجات اليومية التي لم تترك فرصة للشاب من أجل التفكير في العمل السياسي،
ومنذ مدة، يضيف ذات المتحدث قائلا: تابعت القناة المصرية،حيث أن وزارة القوة العاملة جمعت استبيان للرأي توصلت إلى أن 88 بالمائة من الشباب ينوي الهجرة، هذا دليل أن في مصر حدها هناك نسبة 88 في المائة تحاول الهجرة هذا يعني ليس لها اهتمامات سياسية فيما يجري في الوطن. لماذا؟
لأن الشاب في البيت صار يتابع الفضائيات فيشاهد هناك أحلام الجنة الساحرة في الغرب و يرى الحرية في الغرب، لكنه يصطدم بواقع آخر تماما، والشاب في العالم العربي يشكل ثلثي المجتمع. إذن فكل هذه القوة أصبحت قوة اجتماعية سلبية ليس لها دور في المجتمع وهنا نضع الأنظمة في موقع الاتهام لأن لها دور كبير في إفراغ فئة الشباب وإبعادها عن العمل السياسي حتى لا تشكل هناك معارضة قوية لتلك الأنظمة التي انتهجت مسار الدكتاتورية. وفي كل الحالات لا يمكن القول هذا بأن نظام العراق كان نظام دكتاتوري لأنه النظام الوحيد الذي أعطى قيمة للعلماء وجند طاقات الشباب. فهناك فرق بين صدام حسين وحسني مبارك و الفرق بينه وبين القذافي الذي بقي مدة طويلة في الحكم وكذا الفرق بينه وبين حاكم العرش في سوريا ؟
نحن نرى عزوف الشباب الجزائري عن الانتخابات الأخيرة، وتابعنا كيف كانت هناك فئة قليلة منهم توجهت إلى صناديق الاقتراع بسبب المشاكل التي ذكرناها سابقا و العزوف هذا في مجمله هو ظاهرة عالمية وليس وطنية كما أشرنا.
بعض الجمعيات والمنظمات الطلابية هي وكر لترويج العمل الحزبي بدل السياسي الوطني
تأسست الجمعيات الإتحادات الطلابية و الشبانية من أجل نشر الوعي السياسي، وتعزيز المشاركة السياسية للشبان، وكثيرا ما كان يجري حظر العمل الحزبي في مثل تلك المراكز باعتبارها ذات طابع وطني، وليست مكانا للنشاط والعمل الحزبي. لكن غالبا ما أصبحت بعض الجمعيات مجالا للترويج لحزب سياسي ما، بدلا من أن تكون مؤسسات للبناء الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي، مع العلم أن هناك فارقا بين العمل الحزبي والعمل السياسي الوطني.
إن غياب التوجيه وعدم لعب القوى السياسية أي دور في رعاية الشباب، أو تثقيفهم سياسيا، دفع بالآلاف منهم للجلوس على مقاعد المقاهي، وقتل الوقت فيها بدلا من الاهتمام بقضاياهم الأساسية. فسادت حالة الإحباط العامة التي أصبحت تعصف بشبابنا، ومع غياب الأمل تولد لديهم الشعور باللامبالاة.
وهناك أسباب أخرى دفعتهم إلى الصمت و التفرج على الأحداث منها الخوف من القمع والمحاسبة، والاعتقاد بعدم جدوى الكلام لأنه يذهب مع مجرى الرياح، ويظل حبرا على ورق .
وكما أن الافتقاد إلى مهارة القيادة لدى كثير من الشباب وعدم امتلاكه ثقافة عامة سياسية ترعى عقولهم وتصونها وتبعدهم عن منحدر الطريق كانت من أسباب ذلك العزوف.
ف.ز.طوبال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق