News

جـــــزائــــــــــــــر أرض المعجـــــــــــــزات



23‏/08‏/2009

تحقيــــــق تــــــــــــاريخــــي







الموات التاريخي و مقاطعة الرموز الوطنية... دعاة التنفير و التكريه وراء السبب...// بقلم : فاطمــة الزهــراء طــوبال

تروج وإلى حد الآن أقاويل عن الكتابة التاريخية تستهدف الوصول إلى الحقيقة وتتركز على بؤر محددة، فما هي خلفيات هذا الموات التاريخي؟يقال الكثير عن التاريخ الوطني لكن أغلب ما يقال يظل منحصرا في نمطية ألفناها بل نمطية سئمناها ، تثير فينا الانفعال وتجعلنا في صدام مع الأمس و اليوم و خلفيات ذلك تعود إلى المجهول يومها انطلقت أول رصاصة نوفمبرية تعلن حدث الاندلاع الثوري...
تتمزق الأفكار وتتعالى الأوجاع في أحشائنا ونحن نبحث عن الذي أوقف محطة انطلاق كتابة تاريخنا، فمن ذا الذي يحاول تحطيمنا ؟
سقطت فرنسا الإستدمارية وما جرى عقب سقوطها أنها حملت الأطنان من أرشيفنا حتى لايبقى من ذاكرتنا مانبني به مستقبلنا فنظل في قوقعة من الصراع و النزاع بين أبطال يصلحون للجهاد ولا يصلحون للبناء الحضاري ، حيث في حوار أجريناه مع بعضهم رحلوا بنا بحكاياتهم إلى عالم ألف ليلة وليلة ساردين على مسامعنا ماضيهم معممين في سردهم هذا مثاليتهم الوهمية وفي كل مناسبة وطنية تجدهم يتغنون بها لكنهم لايدونون من ثوريتهم هذه مايسد رمقنا من الجوع و العطش.فلقد تبرأوا من تدوين تاريخ الجزائر وحملوه على عاتقنا –أي أن مسؤولية كتابة تضحياتهم نتحملها نحن- وياخوفنا إن وقعنا في شراك التزييف بلا مصداقية التي قد تثير ضدنا الخصوم و الأعداء.
فمن المسؤول إذن ؟ ماداموا يقدمون لنا كلما خاطبناهم أو طرحنا عليهم هذا السؤال التبريرات، فيتناحر هذا مع ذاك ونعاني نحن من تناحرهم هذا.
إشكالية الكتابة التاريخية في بلادنا
الحديث عن الكتابة التاريخية والتواصل مع كل ماهو وطني لايزال حبيسا في سجنه المؤبد ينتظر اقتراب المناسبات الوطنية ليفرج عن كربته ،فانفتاحه يظل منحصرا إلى أن تنظم ندوات للندب أو المدح و الواقع أنه لااحد يتحرك لإنقاذ تراثنا الضائع...إنه الموات التاريخي.لعل من كان كفؤا في حبك وصياغة ماآل إليه وضعنا من خطورة الآن قد نال مطلبه وحقق هدفه بخلق مضاعفات سلبية جعلت الشعب يقاطع كل رمز من رموز وطنيتنا الشماء ، محدثا بذلك انفصالا بينه وبين الثورة و الاستقلال لما صارت هذه الأخيرة حكرا على شريحة معينة في الجزائر تزعم أن لها الحق في كل شيء فأحدثت بمطالبها هذه الانفصام و الانقسام في المجتمع الذي تجزأ إلى فئة ذوي الحقوق و أبناء المجاهدين و الشهداء وفئة تعتقد بأن حقوقها مهضومة فغطى الصمت محياها وكان صمتها هذا موقفا تعبر من خلاله عن البؤس الوطني لاحيادا.
من المسؤول عن هذه القطيعة؟
حملنا السؤال في جعبتنا و توجهنا بجرحنا إلى أبناء الجزائر، نتقصى منهم الوقائع و الحقائق علنا نصل إلى إجابة مقنعة، فصادفنا في طريقنا فئات مختلفة من شرائح مجتمعنا و إن اختلفت فإن جوابها واحد.
في قســـم التــاريـــخ:
في قسم التاريخ أين يتلقى الطالب المبادئ الثورية و يتعلم كيف يوظفها في بناء مستقبل البلاد فيتعلم منه بعدين مختلفين :*البعد التاريخي الذي يتقيد بالماضي فيتأمل في أحداثه و تفاعلاته و يعتبر بعبره.*بعد الحاضر الذي يستطيع من خلاله أن يتجاوب مع المشكلات و الأزمات التي يواجهها.إذكنا نتوقع من طلابه كل الخير ،فدخلنا بتفاؤل كبير وخرجنا منه بحزن عظيم... أحدث فينا اضطرابا عصبيا إلى حد الغليان.*ونحن نتلقى إجابات غير متوقعة من طلبة الليسانس و الذين توجهت فئة كبيرة منهم لدراسة التاريخ بدافع الحصول على شهادة تؤمن لهم الحصول على وظيفة لاغير فيأكلون جيدا وينامون مرتاحي البال ولايهمهم مواصلة البحث و التنقيب عن آثار ماخلفه الأمجاد من الأجداد...كانت الفكرة مريضة للغاية، لدرجة أنها أثارت فينا الغموض ، كيف يتوجه لدراسة التاريخ من لايهمه من كتابته شيء ..من ذا الذي رسخ في ذهنهم هذه الأفكار المتحجرة الجامدة التي تدعوهم للتهاون أمام رموزهم الوطنية!؟..تاريخ من أجل العيش و الكسب الممتاز لا لأجل النضال و الامتثال أمام مخلفات شهداءنا الأبرار...*فئة أخرى تقربنا منها للكشف عن دافع تطلعها للدراسات العليا فكان لنا دردشة مطولة مع بعض الذين فازوا في مسابقة الدخول لدراسة الماجستير فتأكد لنا بعد هذه الدردشة بأن الهدف من دراستهم العليا هذه يرمي إلى كتابة مذكرة بالاعتماد على جملة من المصادر و المراجع المتوفرة في مكتباتنا الوطنية لغرض الحصول على شهادة عليا تمكنهم من نيل منصب شغل للتدريس في الجامعة فيتقاضون على إثرها أجورا مرتفعة غير التي كانوا يتقاضونها في التعليم الثانوي أو المتوسط..بعد هذا الاستطلاع المؤسف خرجنا بتصريح يحير الفكر من كلا الفئتين و إن اختلفت المستويات وتعددت لكن الهدف واحد...دراسة لأجل بناء مصلحة شخصية لا للغيرة الوطنية ..يؤسفني أنني لم ألتقي في القسم ذاته بابن خلدون أو الطبري أو مالك ابن نبي فظلت المصلحة الوطنية تنتظر فارس أحلام ينقذها من سباتها العميق هذا...فمن ذا الذي زرع بذور القطيعة برموزنا الوطنية!؟
في مكـــان عمـــــومي
في إحدى الحدائق العمومية أين يجتمع الأفراد لاستنشاق الهواء الصافي ، بحثنا علنا نجد رأيا مخالفا لما سمعناه لكن أغلب الآراء تصب في نهر واحد ،لا أحد يهمه من إحياء المناسبات الوطنية سوى تحقيق مصلحة شخصية ، فالعامل في الإدارة كل مايهمه من إحياء اندلاع الثورة أنه لايذهب إلى العمل في ذلك اليوم فيقضي يومه نائما في منزله أو اللجوء إلى أماكن النزهة للالتقاء بالأصدقاء " لاجديد يذكر ولا قديم يعاد " هذا ماتجده متداول على الشفاه ولا احد يهمه من تصفح كتب التاريخ شيء.
في مكتباتـــنا الوطنيــــــة
وهكذا تعاني مكتباتنا الوطنية أيضا وأخص بالذكر المتواجدة في ولاية وهران فرغم طلبات الكتب التي يأتي بها مسؤولوها من المحلات التجارية فإنها لاتحضى بأدنى نصيب من الاستعارة اليومية أو الأسبوعية ، إلا فئة قليلة كما صرح المسؤول المكلف بتسيير مكتبة متحف المجاهد بوهران "إن أغلب من يتوافد إلى المكتبة ذاتها لقراءة تاريخ الجزائر هم عمال أجانب جاؤوا لغرض الاستثمار في الجزائر حيث حاولوا التطفل على كنوزنا التي أهملتها أجيالنا فمن بينهم مستثمرين أمريكان وآخرين قدموا من دولة الصين و نسبة قليلة أيضا من إطارات جزائرية منتجة في مجمع السوناطراك الذي يقع بقرب متحف المجاهد من يهمها التعرف على أحداث ماضينا".
هذا،وكما أن أغلب الكتب التي يكثر الطلب عليها في مركز البحوث للإعلام الوثائقي في العلوم الاجتماعية والإنسانية(الكريدش) هي كتب أدبية و أخرى في علم الاجتماع و القانون لغرض إقامة بحوث علمية توفي شرط الحصول على علامة المقياس التطبيقي في مادة معينة فحسب ، أما عن كتب التاريخ فيكاد الطلب عليها ينعدم إلا البعض التي تتعلق بتاريخ العصر الوسيط والتي يتم تداولها عادة بين ثلاث طلبة في قسم الماجستير إلى خمسة بهدف تحضير مذكرة للتخرج.هذه الجولة التي قمنا بها أثبتت أن الأجيال في قطيعة مع رموزنا الوطنية الثورية التاريخية حتى أن المتصفح للتاريخ الوطني يجد أن الطابع السردي والتركيز على الأحداث السياسية هو السمة البارزة لدى أصحابها في تطرقهم لكتابة هذا التاريخ.

في مؤسساتنا التربوية:

في إحدى المؤسسات التربوية الواقعة ببلدية بئر الجير بوهران حاولنا التقرب من تلاميذ الطور الثالث الذين يتراوح سنهم بين الثاني عشر إلى الخامس عشر سنة ، وكنا قد انتقينا هذه الفئة العمرية لما لها من تحول حاسم في حياة الإنسان فهي أصعب مراحل حياته،ذلك أن فترة المراهقة مرحلة تجعل الطفل الصغير يذهب بعيدا بأحلامه و يتعمق في اتجاه معين انتقاه لنفسه.كنا قد اخترنا جنسين مختلفين(ذكر وأنثى) وطرحنا على كل واحد منهم السؤال التالي:[مامدى تعلقكم بمادة التاريخ؟هل تميلون إلى رموزكم الوطنية؟ولماذا؟] وكانت الكفاءة المستهدفة من وراء السؤال هي اختبار غيرتهم الوطنية ومدى ميلهم لتاريخ بلادهم ، فكانت الإجابة كالآتي:*من جملة 43 تلميذا أجابت 19 بنتا بنعم أحب تاريخ وطني لأنه بفضله نمت أفكاري و حبي له يتعلق كلما تذكرت تضحيات شهدائنا الأبرار الذين لولاهم لما كنا نحن في مقاعدنا ننعم بالدراسة المجانية.*هذا،وأجاب 12 إبنا بنعم أحب مادة التاريخ لأنها مادة سهلة الحفظ ونفهمها جيدا.*كما أجاب ثلاثة ذكور بلا،لا أحب التاريخ و لا أتعلق به لأني لاأستوعب أحداثه بسرعة،بينما امتنع حوالي ثمانية تلاميذ ذكورا من الإجابة الجدية على السؤال و بدافع من السخرية و الاستهزاء من مادة التاريخ.

إجمالا كنا قد استخلصنا بأن تعلق عدد كبير من الأبناء و البنات بمادة التاريخ هو من تعلقهم بوطنيتهم الفذة ويا خوفنا أن تغتال هذه الأنفس البريئة يوما ما فيبرد في هؤلاء هذا الحب العظيم لوطنيتهم أو كما ذكر أحد طلبة التاريخ قائلا بأنه كان مولعا بحب المادة في صغره وهائما بأستاذه لكنه بمجرد بلوغه سن الخامس و العشرين انقطع عن كل ماهو وطني لأنه صدم بسلوكيات لاحظها في الجامعة غير المبادئ التي كان يتلقاها في صغره لدرجة أنه كره إتمام دراسته الجامعية في قسم التاريخ أو حتى التفكير في كتابة تاريخ ثورتنا المجيدة مستقبلا.

ما يقوله المجاهدون :

يعتقد البعض ممن واكبوا الحدث الثوري بأن أهم سبب أخر عملية كتابة تاريخ الثورة هو مركب النقص الذي تشعر به بعض الأطراف المسؤولة في الدولة ومن هذا مايصرح به المجاهد محمد زروال قائلا بأن هذا الشعور هو ناتج من الإحساس بعدم المشاركة المبكرة في التمهيد للثورة وتفجيرها لهذا يحس عدد منهم أثناء الحديث عن الثرة بالسخط فيسميهم ب"الطابور الخامس" ومنهم الموظفين الإداريين الذين خلفتهم فرنسا على رأس الإدارة ولأنهم قد حرموا نفسهم من شرف الانتساب إليها فتجدهم يضمرون لها الحقد وينفرون منها فيكرهن الناس عن الحديث في موضوع الثورة و لايشرعون شروعا جادا لكتابتها.دعاة التنفير الذين جمدوا هذه العملية الشريفة صاروا مسيطرين على كل كبيرة و صغيرة في أمتنا ولن يرى التاريخ معهم النور إلا إذا اختفوا كما قال ذات المتحدث من الساحة السياسية.فرنسا حققت غايتها حتى بعد خروجها من الجزائر فجعلت تستغل هذه العملية التعطيلية في الكتابة التاريخية لتكتب على طريقتها ماتراه مناسبا لجذب الأجيال إليها وهذا مايحدث الآن لما صار بعض الأبناء من أمتنا يعتقدون بأن فرنسا هي من قدمت لنا الاستقلال ولسنا نحن الذين كبلوها خسائر مادية وبشرية لنحمي أرضنا منها. فكم هو صعب أن تبقى هذه الفكرة راسخة على أذهان الكثير ممن يئسوا من الحياة على أرض الوطن فنمت لديهم فكرة الهجرة وبطرق غير شرعية كرها في محيطهم الذي أنفرهم من حب الجزائر وتاريخها.ومن المجاهدين الذين صادفناهم في متحف المجاهد بوهران"الطيب بن نهاري" هو مجاهد بالمنطقة السادسة الولاية الخامسة حيث يعتبر من الأوائل الذين التحقوا بصفوف الثورة المجيدة ، سألناه عن الكتابة التاريخية و العوامل التي عطلت صيرورتها فكان أن عدد لنا بعض الكتابات التي جعلها مشروعا يستحق الاستثمار إلا أنها لم تلق الدعم من طرف المعنيين و بالتالي أطفأ نورها الذي لم تنعم به الأجيال ومنها " المعارك في منطقة سعيدة ومعسكر" كمعركة السكة الحديدية في الغرب الجزائري وعلاقتها بمشروع ديغول إضافة إلى كتاب " شهداء الولاية الخامسة(سير ذاتية)" ، ذاكرا بأن مشاكله الحالية حالت دون نشره هذه الكتابات التي حاول أن يفيدنا بها.وعن سبب تعطيل عملية الكتابة التاريخية يجيبنا بن نهاري قائلا بأنه كان على الدولة مساعدته و أمثاله في نشر مؤلفاتهم كون أن منحته الشهرية لاتكفيه لطبع كتاب تبلغ كلفته 30 مليون سنتيم و يستطرد قائلا :"إن الأموال الطائلة التي عادة ماتصرف لفائدة الفنانين الأجانب كان من المفروض أن تستثمر لإعادة كتابة التاريخ الوطني" وبذلك فهو يعتبر بأن نفور هؤلاء من حماية تاريخهم هو قتل للذاكرة الجزائرية فقد تعددت المشاكل و دعاة التنفير و التكريه هم وراء سبب حدوثها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق